تحليل الأسواق
4 سبتمبر 2024
أداء السوق في سنوات الانتخابات أحد أهم الأمور التي ينشغل بها كلًا من المتداولين والمستثمرين على حد سواء. بالنسبة لمستثمري الأسهم، تميزت سنوات الانتخابات الأخيرة بأداء قوي بعد التصويت وارتفاعات كبيرة في الأسهم. في الواقع، تشير بعض الأبحاث إلى أن أداء الأسواق يكون أفضل في سنوات الانتخابات، ولكن سيتعين عليك العودة إلى فترة فوز أوباما بالانتخابات الأمريكية 2008 لتجد أنها كانت بيئة عزوف عن المخاطر. ومن الواضح أن عام 2008 كان عامًا غير عاديًا للأسواق العالمية، مما يجعل عملية التنبؤ أو الاستنتاج صعبة، حيث تجري كل انتخابات في بيئة سوقية فريدة قد لا تتكرر في الانتخابات التي تليها.
لقد تطرقنا بالفعل إلى بعض مخاطر وضع افتراضات بناءً على نتائج الانتخابات الماضية. فالدراسات طويلة الأجل، التي تنظر إلى أكثر من قرن من بيانات السوق ونتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشكوك فيها بشكل خاص.
في العشرين أو الثلاثين عامًا الماضية، تغيرت أمريكا بشكل كبير، من حيث التكنولوجيا، والصناعات والشركات الكبرى، والتركيبة السكانية العرقية والدينية، وعضوية النقابات العمالية أو الأحزاب السياسية. حيث يتغير عدد السكان النسبي لكل ولاية، ويتم تحديث الهيئة الانتخابية، التي تعين عددًا من الناخبين بناءً على عدد سكان الولاية، في كل انتخابات. كما أن المواقف السياسية لكل حزب رئيسي ليست متسقة، ويقدم المرشحون المختلفون على مر السنين برامج متباينة على نطاق واسع.
كل هذه التغييرات لها تأثير محتمل على الناخبين، وعلى أنماط التصويت المحتملة، وعلى بنية الاقتصاد الأمريكي وقوته في مواجهة المخاطر السياسية. ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، نجد أن الانتخابات الأخيرة من الممكن أن توفر بعض الرؤى حول استجابة السوق المحتملة للانتخابات الأمريكية 2024.
جاءت نتيجة انتخابات 2020 متوافقة تقريبًا مع استطلاعات الرأي وشهدت فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بكل من التصويت الشعبي والمجمع الانتخابي. وعلى الرغم من أن النتائج المبكرة وتحديدًا في وسط غرب وشرق الولايات المتحدة، كانت لصالح الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلا أن مع ظهور النتائج أصبح من الواضح أن بايدن فاز بنسبة أكبر من الأصوات.
أظهرت التغييرات المباشرة في أسواق الفوركس أداءً قويًا واضحًا للدولار الأمريكي صاحبت تحسن فرص بايدن في الفوز، وضعفًا عندما بدت النتائج في البداية لصالح دونالد ترامب. قد يشير هذا إلى ثقة أكبر في السوق في المرشح الديمقراطي، ولكن أيضًا إلى تحرك نحو الأصول الخالية من المخاطر مثل الدولار الأمريكي. ولا تحدث الانتخابات الرئاسية الأمريكية بمعزل عن بعضها البعض، حيث تجري انتخابات الكونجرس ورئيسه وبعض انتخابات مجلس الشيوخ في نفس اليوم.
في عام 2020، كان أداء الجمهوريين أفضل بكثير في هذه السباقات الأخرى، ويعتقد بعض المحللين أن الأسواق اعتبرت هذا علامة إيجابية للأسهم الأمريكية. وتاريخيًا، كان يُنظر إلى الحزب الجمهوري باعتباره أكثر دعما للأعمال، ومعارضًا للتنظيم الحكومي والضرائب المرتفعة. وهذا يعني أن المشاركين في السوق ربما تصوروا أن الكونجرس المتوازن سيكون أقل ميلًا إلى تمرير تدابير معادية للنمو. ومهما كانت الأسباب، فإن النتيجة النهائية لانتخابات عام 2020 كانت تشكل خطرًا آخرًا على البيئة، مع ارتفاع كبير في الأسهم الأمريكية في كل من مؤشر داو جونز الصناعي ومؤشر ستاندرد أند بورز 500.
كانت نتائج الانتخابات الأمريكية 2016 متقاربة للغاية، حيث فازت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي الوطني بينما فاز ترامب بعدد كافٍ من الولايات لتحقيق فوز إجمالي في المجمع الانتخابي. وقد أشارت معظم استطلاعات الرأي في الفترة التي سبقت الانتخابات إلى فوز ديمقراطي محدود. وهذا يعني أن النتائج، التي أظهرت بسرعة فوز ترامب، كانت مفاجأة للأسواق. إذًا، ما الذي حدث؟
في الأيام الأخيرة من الحملة، كانت الأسواق مضطربة، مع ارتفاع مؤشر التذبذب في أسواق الأسهم الأمريكية. بعد الاضطراب الذي أصاب أسواق الأسهم العالمية والفوركس مع ظهور النتائج، بدأت الأسهم الأمريكية مسيرة صعود طويلة، حيث بدأ مؤشر داو جونز الصناعي مسيرة صعودية طويلة جعلته يتجاوز 20 ألف نقطة لأول مرة في يناير 2017. ورغم أن بيئة العزوف عن المخاطرة جاءت مباشرة قبل الانتخابات، مع هبوط مع ظهور النتائج لأول مرة، إلا أنه بمجرد التيقن من النتيجة التي أصبحت واضحة، تحولت الأسواق الأمريكية إلى اتجاه قوي نحو المخاطرة استمر حتى عام 2017. وفي هذه الحالة، يبدو أن القلق بشأن مرشح غير تقليدي تبخر بمجرد ظهور النتائج.
فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 بشكل حاسم، بأغلبية الأصوات الشعبية وتأييد كبير من المجمع الانتخابي. لقد جرت الانتخابات على خلفية كارثة اقتصادية، حيث كانت الولايات المتحدة في خضم أشد ركود منذ عام 1929. وقد شهدت الأسواق هبوط دراماتيكي في اليوم التالي للانتخابات، حيث خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في جلسة واحدة 500 نقطة. ومن المحتمل أن المتداولين والمستثمرين كانوا قلقين بشأن السياسات الضريبية والتنظيمية للإدارة الديمقراطية القادمة، ولكن من المرجح أيضًا أن تكون وفرت لهم الانتخابات لحظة مثالية لإعادة التوازن إلى محافظهم لتعكس بيئة السوق الإجمالية.
وقد كانت انتخابات أوباما 2008 هي آخر انتخابات رئاسية انتقلت فيها الأسواق إلى سلوك خالي من المخاطر بشكل واضح بعد التصويت، ولكن الخلفية معقدة للغاية بحيث لا يمكن استخلاص استنتاجات سهلة. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الولايات المتحدة تغيرت بشكل كبير منذ عام 2008؛ حيث أضافت 41 مليون شخص إلى سكانها وانتقلت من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) من 48000 دولار إلى 81000 دولار. وهي التغييرات التي صعبّت للغاية مقارنة ردود أفعال السوق عبر الانتخابات.
أسفر آخر سباقان للانتخابات الأمريكية عن أسواق أسهم قوية لبقية العام. ومن المغري أن نستنتج أن نفس الشيء قد يحدث هذه المرة، بغض النظر عن شخصية الفائز، سواء كانت كامالا هاريس أو دونالد ترامب ومن فيهم الذي سيصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. لكن هذه المقارنات خطيرة، لأن كل انتخابات تجري في سياق تاريخي فريد. فسوق الأوراق المالية في عام 2024 ليست كما كانت في عام 2020، ناهيك عن عام 2008، ما يجعل التنبؤ بردود فعل السوق المستقبلية باستخدام الأحداث الماضية صعبًا.
ومع ذلك، فهو ليس عديم الفائدة، فأمام المتداولين الكثير ليتعلموه من الانتخابات الماضية. بدلاً من تقديم تنبؤات بسيطة حول مكاسب أو خسائر السوق، حيث يجب على المتداولين مراعاة نفس العوامل التي راعاها زملاؤهم في تلك الانتخابات: المخاطر السياسية، وتوازن النتائج الرئاسية والكونجرس، والبيئة السوقية العامة.
الانتخابات هي من محفزات التقلبات، وسوف تشهد الفترة التي تسبق التصويت في 2024 وما يليها قيام المتداولين بإعادة توازن محافظهم عبر الأسواق. لا يستطيع المتداولون قراءة الماضي مثل كتاب التنبؤات، ولكن يمكنهم بدلاً من ذلك استخدامه لفهم السياق الفريد لكل انتخابات وتعديل مراكزهم وفقًا لذلك.