تحليل الأسواق
28 يونيو 2024
اقتربت انتخابات المملكة المتحدة العامة لعام 2024، والنتيجة تقريبًا محسومة. حيث اتفقت جميع استطلاعات الرأي على أن الناخبين البريطانيين سيصوتون لصالح حكومة عمال جديدة. وبالنسبة لرد فعل السوق على أي انتخابات فهو يعتمد على عوامل متعددة.
ومن أهمها السياسات التي يتبناها كل طرف. وفي هذه الحالة، فإن حزب العمال يخوض الانتخابات على أساس برنامج النمو الاقتصادي والشراكات الاستثمارية بين القطاعين العام والخاص. الأسواق المختلفة حساسة للتغيرات السياسية المختلفة، حيث تتأثر الأسهم بمعدلات الضرائب، وسياسة الطاقة، والإنفاق على البنية التحتية، في حين تتأثر أسواق العملات بشكل أكبر بالسياسة التجارية. إن سوق السندات حساسة للمستوى الإجمالي للإنفاق الحكومي، والمسؤولية المالية – الحقيقية أو المتوقعة- للحكومة المقبلة.
على الرغم من أن استطلاعات الرأي قد توفر مؤشرات -على الأغلب صحيحة- عن نتيجة الانتخابات، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها بنسبة 100%، ولكن الصورة في هذه الانتخابات واضحة للغاية وهي فوز الساحق لحزب العمال. وسوف يختلف رد فعل السوق تجاه فوز حزب العمال عبر فئات الأصول والأسهم الفردية. ومن أجل فهم أفضل لكيف يمكن أن تتحرك الأسواق يوم الجمعة وخلال الأيام التالية، نحتاج إلى النظر عن كثب إلى سياسات حزب العمال وأولوياته. وهناك مجالان مهمان للأسواق هما مجال التطوير العقاري والطاقة. وفي كلتا الحالتين، فإن الأسهم البريطانية هي السوق الأكثر احتمالًا لظهور التقلبات سواء إيجابية أو سلبية.
دعا حزب العمال إلى توسع هائل في بناء المساكن، في ظل النقص في الوحدات السكنية الذي يشكل مشكلة كبيرة في الاقتصاد البريطاني. وقد أعلنت الحكومة القادمة عن خطط لبناء 1.5 مليون منزل جديد تحديدًا، بالإضافة إلى تطوير مدن جديدة بالكامل. وبطبيعة الحال، سيؤدي هذا إلى زيادة الطلب على مستلزمات البناء، مثل الطوب والخرسانة والأسمنت، وربما مكاسب لشركات التطوير العقاري في المملكة المتحدة. ومن الممكن أن تستفيد أسهم بعض أبرز شركات بناء المنازل في المملكة المتحدة مثل بيرسيمون وتايلور ومبي وبارات ديفيلوبمنتس من هذه التطورات.
ويمكن أن تشهد أسهم شركات مثل Ibstock Brick، المندرجة ضمن مؤشر فوتسي 250، أو بلفور بيتي، اهتمامًا متزايدًا إذا شيدت المنازل الموعودة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن بناء مدن جديدة على الفور سوف يواجهه عوائق كبيرة من نظام التخطيط وتوريد مواد البناء، مما يخلق تقلبات في الأسواق ذات الصلة.
أعلن بيان حزب العمال عن خطط لإنشاء شركة تدعى Great British Energy والتي ستركز على فرص الاستثمار في الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من أن الشركة سوف تديرها الدولة بدون مستثمرين خارجيين، فإن المشاريع التي ستعمل عليها تشمل شراكات بين القطاعين العام والخاص، مما قد يخلق فرصًا في أسهم الطاقة في بريطانيا. ولكن يعتبر تداول أسهم الطاقة في المملكة المتحدة أمرًا معقدًا، لأن أكبر الشركات في قطاع الطاقة، مثل شركة بريتيش بتروليوم، تجني أموالها من الاستخراج والتنقيب بدلًا من توفير الكهرباء المحلية.
يعد سهم سينتريكا في مؤشر فوتسي 100، والذي يعمل تحت العلامة التجارية بريتيش جاز، أكبر مزود محلي للغاز الطبيعي. وقد تشهد الأسهم مثل سينتريكا تقلبات في فترة الانتخابات، حيث يدرس المتداولون ما إذا كان من المحتمل أن يستفيدوا من الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو يخسروا حصتهم في السوق لصالح مصادر الطاقة المتجددة. وكما هو الحال مع بناء المنازل، قد تكون هناك تكهنات في السوق حول ما إذا كان حزب العمال يستطيع تحقيق أهدافه في هذا المجال، مما يتسبب في تحركات السوق في كلا الاتجاهين.
يمكن أن تؤثر تغيرات معينة في السياسة على سعر الأسهم الفردية. لذلك عليك أن تركز على القطاع والجغرافيا في المقام الأول عند النظر في الأسهم لمعرفة الأماكن التي يمكن أن تكون فيها التغييرات في السياسة أكثر تضررًا. وتتمتع العديد من الأسهم البريطانية بتركيز دولي قوي، حيث تحقق مجموعات البنوك والتعدين الكبيرة في كثير من الأحيان معظم أرباحها في الخارج. وهذا يعني أنك بحاجة إلى إلقاء نظرة على الأسهم الفردية لمعرفة ما إذا كان من المحتمل أن تربح أو تخسر من حكومة حزب العمال.
تاريخياً، كان أداء أسواق الأسهم أسوأ بعد انتصارات حزب العمال. هذا لا يعني أنه بإمكانك ضمان نفس الاستجابة هذه المرة، ولكن من الممكن أن تكون هناك صدمة أولية للسوق في مؤشر فوتسي 100 صباح يوم الجمعة. وبما أن نتيجة هذه الانتخابات كانت واضحة منذ أشهر، فإن أي هبوط يجب أن يكون محدودًا، مع حدوث ارتفاعات بعد تعديل المتداولين لمراكزهم إلى مستوياتهم المحددة.
تتأثر عوائد السندات، التي تتحرك عكسيًا مع السعر، بالجدارة الائتمانية للجهة المصدرة. في الماضي، كان حزب العمال يتمتع بسمعة طيبة فيما يتعلق بمستويات الإنفاق المرتفعة، الأمر الذي ربما يجعل أسواق السندات قلقة بشأن عودته. ويتضمن بيان حزب العمال الحالي دعوات متكررة للمسؤولية المالية، كما أن وعود الإنفاق محددة التكلفة بالكامل، على الورق على الأقل. لذلك، على الرغم من أن رد فعل السوق هذه المرة قد يكون غير محسوسًا، إلا أن عائدات السندات قد ترتفع مع الفترة المحيطة بالانتخابات.
يشعر متداولو عقود الفروقات بالارتياح مع التقلبات حيث يمكنهم شراء وبيع الأسهم. وهذا يعني أن المتداولين يمكنهم وضع مراكز حول أي اضطراب في أسهم الطاقة البريطانية، والتي يمكن أن تتجه في كلا الاتجاهين عبر التركيز على الطاقة المتجددة، فضلاً عن الوعد بالاستثمار العام. كما تمثل أسهم بناء المساكن والتطوير العقاري فرصة شراء محتملة، ولكن هذا التأثير قد يتبخر إذا سادت حالة عامة من تجنب المخاطرة. وقد تكون أفضل الفرص في شركات محددة تستفيد أكثر من الاستثمار العام المتزايد، وهو أمر يصعب التنبؤ به في أفضل الأوقات، ويكاد يكون مستحيلاً في ظل البيانات الغامضة.
توفر الحكومة الجديدة فرصًا جديدة للشركات والصناعات والمتداولين. نحن لا نعلم على وجه الدقة ما الذي ستفعله حكومة حزب العمال المقبلة، ولكننا نعرف المجالات التي حددتها كأهداف سياسية رئيسية للسنوات الخمس المقبلة. وسوف تتأثر الأسهم البريطانية بالانتخابات والتغيير في الحكومة، وربما يكون تأثيرًا سلبيًا، لكن بعض الأسهم والقطاعات يمكن أن تستفيد إذا اقتنعت الأسواق بخطط حزب العمال للنمو.
ولكن مهما حدث، يجب على متداولي عقود الفروقات الاستعداد للتقلبات التي سيشهدها السوق يوم الجمعة، حيث تتكيف الأسواق مع الحقائق الجديدة لحكومة حزب العمال. وكما جرت العادة، فإن وضع خطة حكيمة لإدارة المخاطر سيكون ضروريًا، مع تحديد حجم المراكز، ووقف الخسائر، وتنويع المحفظة، فكلها أمور أساسية للحد من المخاطر الناجمة عن تقلب سوق الأوراق المالية بعد الانتخابات.