تحليل الأسواق
13 سبتمبر 2024
يمثل النفط والذي يشتهر باسم “الذهب الأسود” أحد الأجزاء الأساسية للاقتصاد العالمي، ولكن أسعار النفط متقلبة للغاية. ففي السنوات الخمس الماضية فقط، تراوح سعر معيار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) من أقل من 20 دولارًا في أبريل 2020 إلى أكثر من 110 دولارات في يونيو 2022. ويعتبر المحرك الأكثر أهمية لأسعار النفط هو العرض والطلب، ولكن المخاطر السياسية تلعب دورًا مهمًا، وكذلك الأداء العام للاقتصاد العالمي. فعندما يتوقع المتداولون انخفاض الطلب، تنخفض أسعار النفط، ولكن نقص النمو والعرض يمكن أن تتسبب في ارتفاعات دراماتيكية في سعر النفط.
لقد حولت عملية التكسير الهيدروليكي الولايات المتحدة من مستورد رئيسي للنفط إلى دولة مصدرة، ولكن للقرارات السياسية تأثير كبير على الأسواق العالمية. ومن المرجح أن يكون للانتخابات الأمريكية 2024 تأثير كبير على تقلبات الأسعار قصيرة وطويلة الأجل في سوق النفط الخام.
يمكن أن نقول إن أداء النفط في سنوات الانتخابات معقد. فالنفط سلعة صناعية متقلبة، وتتأثر أسعاره بالتوقعات الاقتصادية والمخاطر السياسية وكذلك العرض والطلب. وعندما ننظر إلى الانتخابات الماضية، يظهر أمامنا نمط معقد. فمثلًا بعد فوز الديمقراطيين مباشرة، هبطت أسعار النفط، ولكنها تعافت قبل تنصيب الرئيس. وبعد فوز الجمهوريين، حقق النفط مكاسب أولية أعقبها تصحيح. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن إعادة الانتخابات تظهر انخفاض التقلبات، وأن النمط المذكور أعلاه يكون أقوى عندما يفوز رئيس جديد بالبيت الأبيض. وهذا يثير تساؤلات مثل: هل يعتبر فوز ترامب الثاني إعادة انتخاب؟ ماذا عن استبدال هاريس ببايدن، واستمرار سيطرة الديمقراطيين على الرئاسة؟ ولكن من الواضح أن انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 لا توافق الأنماط الماضية بسهولة. وكما هو الحال دائمًا، قد لا تتمتع السيناريوهات التاريخية بقوة تنبؤية، حيث يمكن للتغيرات في الاقتصاد الأمريكي وبيئة المخاطر العامة أن تتغلب على تأثير المخاطر السياسية على أسعار النفط.
هزم الديمقراطي بيل كلينتون الجمهوري جورج بوش الأب في عام 1992 وبوب دول في عام 1996، في اثنين من الانتخابات غير العادية اللتان تميزتا بالأداء القوي للمرشح المستقل الثالث روس بيرو. مباشرة بعد نتيجة انتخابات 1992، بدأ النفط اتجاه هبوطي حيث شهد خام برنت خسارة بنسبة 15% مقارنة باليوم السابق للانتخابات. وفي الفترة المحيطة بتنصيب الرئيس، انعكس السوق وبدأ في ارتفاع قوي، مما هدأ من قلق السوق بشأن الرئيس الجديد والعودة إلى الإدارة الديمقراطية بعد 12 عامًا من حكم الرؤساء الجمهوريين. كما شهد عام 1996، عام إعادة انتخاب كلينتون، أسواقًا أكثر استقرارًا، مع ارتفاع في أعقاب فوزه الثاني. طوال فترة رئاسته، شهد كلينتون أقوى أداء في أسواق الطاقة للإدارات الأمريكية الأخيرة.
تبع رئاسة كلينتون فترتين تحت حكم الجمهوري جورج دبليو بوش أو (بوش الابن). فقد كان بوش أكثر ميلاً إلى دعم الأعمال والنفط من سلفه، وقد ارتفعت الأسواق بعد فوزه في الانتخابات المتنازع عليها عام 2000، حيث ارتفع سعر النفط بمقدار 3 دولارات للبرميل في الأسبوع الذي تلا الانتخابات. ومع ذلك، ومع اقتراب موعد تنصيبه، بدأت المخاوف تسود الأسواق، ومع أوائل عام 2000، وصلت أسواق النفط إلى ذروتها في فترة هيمنة الواردات الأميركية. وقد أدى هذا إلى عمليات هبوط خفيف وتداول أفقي مستقر في الأسواق. وشهدت رئاسة بوش اللاحقة، وحملة إعادة انتخابه في عام 2004، سوقًا صاعدة مستدامة وارتفاعًا حادًا في أسعار النفط.
في عهد باراك أوباما، أنهى إنتاج النفط الأمريكي اتجاهًا هبوطيًا بدأ في عام 1970، حيث نقلت عملية التكسير الهيدروليكي إنتاج النفط إلى مناطق جديدة وتحويل الولايات المتحدة إلى منتِج مهم مرة أخرى. وقد أصبحت الولايات المتحدة مصدرًا للمنتجات البترولية المكررة في عام 2011. ومع ذلك، حتى رئاسة ترامب، ظلت الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا للنفط الخام، على الرغم من أن الإدارة الديمقراطية تمتعت بعلاقة معقدة مع صناعة يعارضها كثيرون في الحزب لأسباب بيئية. على مدار فترتين رئاسيتين لأوباما، زاد إنتاج النفط بنسبة 80%، وبدأت الأسعار، التي ظلت مرتفعة بعد انخفاضها خلال الأزمة المالية، في الانخفاض خلال النصف الثاني من عام 2014.
تبعت أسواق النفط النمط المألوف المتمثل في الارتفاع الفوري الذي أعقبه تصحيح بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. في ظل حكم دونالد ترامب، بدأت الولايات المتحدة في تصدير كميات كبيرة من النفط. كان إنتاج النفط السابق في الولايات المتحدة، ولا سيما في تكساس، في انحدار طويل وكان مخصصًا في الغالب للسوق المحلية، لكن انفجار الاحتياطيات الجديدة باستخدام التكسير الهيدروليكي حول إنتاج النفط الأمريكي، وشجعته الإدارة الجمهورية. في عام 2017، تفوقت الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم، وهي المكانة التي احتفظت بها كل عام حتى الآن. وظلت أسعار النفط متقلبة وأقل من المتوسط خلال فترة حكم ترامب، وانهارت أثناء جائحة كوفيد. ولم يتبع فوز بايدن في عام 2020 النمط الجمهوري / الديمقراطي، حيث حدث ذلك في الوقت الذي تعافت فيه الأسعار من أدنى مستوياتها في عام 2020، وارتفعت الأسعار من انتخابه إلى تنصيبه، حيث زادت بنسبة 15%. واستمر هذا السوق الصاعد حتى عام 2022.
إن الاتجاه طويل الأجل لإنتاج النفط في امريكا واضح، وهو التحرك بعيدًا عن الاعتماد على الطاقة نحو وضع تصدير النفط. ويبدو أنه على الأرجح أن يستمر هذا بغض النظر عمن سيفوز برئاسة البيت الأبيض في عام 2024، على الرغم من أن سياسة الطاقة لترامب من المرجح أن تكون أكثر دعمًا للنفط من سياسة كامالا هاريس. ومع ذلك، فإن أسواق النفط متقلبة، وقد يؤدي فوز أي من المرشحين إلى هبوط أو ارتفاعات حيث تحاول السوق الحكم على موقفهما العام تجاه الصناعة. وإذا استمر النمط الذي شوهد في الانتخابات السابقة، فقد يشهد فوز الديمقراطيين عمليات هبوط أولية، على الرغم من أن أي تحركات سياسية في الأسواق من المرجح أن يتم تصحيحها بعد وضوح نمط العرض والطلب.
والأمر الأكثر أهمية للذكر هو أن كامالا هاريس والديمقراطيين لديهم التزام أقوى بكثير بالطاقة النظيفة ومصادر الوقود غير النفطية، مما قد يؤثر على الطلب طويل الأجل للنفط الخام. وقد يُنظر إلى ذلك باعتباره أمرًا سلبيًا واضحًا لأسعار النفط، لكن تأثيره سيكون معقدًا. على سبيل المثال، إذا أدت القيود المفروضة على التكسير الهيدروليكي إلى تقليل إنتاج النفط الأمريكي، فمن المرجح أن يؤدي هذا إلى زيادة أسعار النفط العالمية. كما يتضمن المسار طويل الأجل العديد من العوامل التي لا تتأثر بهذه الانتخابات، مثل: حدود إنتاج النفط في منظمة الأوبك، ومكانة روسيا في الاقتصاد العالمي، والتطور التكنولوجي. لذلك يجب أن يكون متداولو عقود الفروقات على النفط مستعدين لرحلة متقلبة، أياً كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
كيف كان أداء النفط عادةً في سنوات الانتخابات، وما هي الأنماط التي لوحظت في الانتخابات السابقة؟
يظهر أداء النفط في سنوات الانتخابات نمطًا معقدًا. بعد الانتصارات الديمقراطية، يشهد النفط أحيانًا هبوطًا أوليًا ولكنه يتعافى قبل تنصيب الرئيس. وعلى العكس من ذلك، غالبًا ما تشهد انتصارات الجمهوريين مكاسب أولية تليها تصحيح. تُظهر إعادة الانتخابات عمومًا تقلبًا أقل مقارنة بدخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، قد لا تتمتع هذه الأنماط بقوة تنبؤية، حيث يمكن للعوامل الاقتصادية الأوسع وبيئات المخاطر أن تطغى على التأثيرات السياسية على أسعار النفط. تقدم انتخابات 2024 تحديات في تطبيق الأنماط التاريخية، نظرًا للسيناريوهات المحتملة لولاية ثانية لترامب أو رئاسة هاريس واستمرار سيطرة الديمقراطيين.
ما هي المحركات الرئيسية لسوق النفط، وكيف يؤثر الجمهوريون على أسعار النفط؟
إن المحرك الأساسي لأسعار النفط هو العرض والطلب، ولكن المخاطر السياسية والأداء الاقتصادي العالمي بشكل عام يلعبان أيضًا أدوارًا مهمة. يُنظر إلى الجمهوريين عمومًا على أنهم أكثر تأييدًا للأعمال التجارية والنفط، مما قد يؤدي إلى ارتفاعات أولية في السوق بعد انتصاراتهم الانتخابية. غالبًا ما تشجع سياسات الجمهوريين زيادة إنتاج النفط المحلي، كما رأينا خلال إدارة ترامب عندما أصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. يمكن أن يؤثر هذا التحول نحو الاستقلال في مجال الطاقة على أسواق النفط العالمية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه في حين قد تؤثر سياسات الجمهوريين على تحركات الأسعار قصيرة الأجل، فإن أسعار النفط طويلة الأجل تحددها بشكل أكبر العوامل الاقتصادية العالمية والتطورات التكنولوجية والأحداث الجيوسياسية.
كيف تغير إنتاج النفط الأمريكي خلال فترات الحكم الأخيرة، وماذا تعني سياسة الطاقة لكامالا هاريس للصناعة؟
لقد خضع إنتاج النفط الأمريكي لتغييرات كبيرة في العقود الأخيرة. في عهد أوباما، أنهى الإنتاج اتجاهًا هبوطيًا بدأ في عام 1970، حيث أدى التكسير الهيدروليكي إلى زيادة الإنتاج بنسبة 80%. وشهدت رئاسة ترامب وصول الولايات المتحدة لأن تكون أكبر منتج للنفط لأول مرة. استمر هذا الاتجاه نحو الاستقلالية في مجال الطاقة في عهد بايدن. ومع ذلك، فإن كامالا هاريس والديمقراطيين لديهم التزام أقوى بالطاقة النظيفة ومصادر الوقود غير النفطية، وهو ما قد يؤثر على طلب النفط الخام في المدى البعيد. وفي حين قد يبدو هذا سلبيًا بالنسبة لأسعار النفط، فإن التأثيرات غير متوقعة. على سبيل المثال، قد تؤدي القيود المفروضة على التكسير الهيدروليكي إلى خفض إنتاج الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى زيادة أسعار النفط العالمية.